سورة الإسراء - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً (32)}
فيه مسألة واحدة: قال العلماء: قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى} أبلغ من أن يقول: ولا تزنوا، فإن معناه لا تدنوا من الزنى. والزنى يمد ويقصر، لغتان. قال الشاعر:
كانت فريضة ما تقول كما *** كان الزناء فريضة الرجم
و{سَبِيلًا} نصب على التمييز، التقدير: وساء سبيله سبيلا. أي لأنه يؤدى إلى النار. والزنى من الكبائر، ولا خلاف فيه وفى قبحه لا سيما بحليلة الجار. وينشأ عنه استخدام ولد الغير واتخاذه ابنا وغير ذلك من الميراث وفساد الأنساب باختلاط المياه. وفى الصحيح أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى بامرأة مجح على باب فسطاط فقال: «لعله يريد أن يلم بها» فقالوا: نعم. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره كيف يورثه وهو لا يحل له كيف يستخدمونه وهو لا يحل له».


{وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33)}
قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} قد مضى الكلام فيه في الأنعام. قوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً}. فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً} أي بغير سبب يوجب القتل. {فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ} أي لمستحق دمه.. قال خويز: الولي يجب أن يكون ذكرا، لأنه أفرده بالولاية بلفظ التذكير. وذكر إسماعيل بن إسحاق في قوله تعالى: {فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ} ما يدل على خروج المرأة عن مطلق لفظ الولي، فلا جرم، ليس للنساء حق في القصاص لذلك ولا أثر وليس لها الاستيفاء.
وقال المخالف: إن المراد ها هنا بالولي الوارث، وقد قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ}، وقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}، وقال: {وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ} فاقتضى ذلك إثبات القود لسائر الورثة، وأما ما ذكروه من أن الولي في ظاهره على التذكير وهو واحد، كأن ما كان بمعنى الجنس يستوي المذكر والمؤنث فيه، وتتمته في كتب الخلاف. {سُلْطاناً} أي تسليطا إن شاء قتل وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية، قاله ابن عباس رضى الله تعالى عنهما والضحاك وأشهب والشافعي.
وقال ابن وهب قال مالك: السلطان أمر الله. ابن عباس: السلطان الحجة.
وقيل: السلطان طلبه حتى يدفع إليه. قال ابن العربي: وهذه الأقوال متقاربة، وأوضحها قول مالك: إنه أمر الله. ثم إن أمر الله عز وجل لم يقع نصا فاختلف العلماء فيه، فقال ابن القاسم عن مالك وأبى حنيفة: القتل خاصة.
وقال أشهب: الخيرة، كما ذكرنا آنفا، وبه قال الشافعي. وقد مضى في سورة البقرة هذا المعنى.
الثانية: قوله تعالى: {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} فيه ثلاثة أقوال: لا يقتل غير قاتله، قاله الحسن والضحاك ومجاهد وصعيد بن جبير.
الثاني: لا يقتل بدل وليه اثنين كما كانت العرب تفعله.
الثالث: لا يمثل بالقاتل، قاله طلق بن حبيب، وكله مراد لأنه إسراف منهى عنه. وقد مضى في البقرة القول في هذا مستوفى. وقرأ الجمهور {يُسْرِفْ} بالياء، يريد الولي، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي {تسرف} بالتاء من فوق، وهى قراءة حذيفة.
وروى العلاء بن عبد الكريم عن مجاهد قال: هو للقاتل الأول، والمعنى عندنا فلا تسرف أيها القاتل.
وقال الطبري: هو على معنى الخطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأئمة من بعده. أي لا تقتلوا غير القاتل. وفى حرف أبى {فلا تسرفوا في القتل}.
الثالثة: قوله تعالى: {إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً} أي معانا، يعني الولي. فإن قيل: وكم من ولى مخذول لا يصل إلى حقه. قلنا: المعونة تكون بظهور الحجة تارة وباستيفائها أخرى، وبمجموعهما ثالثة، فأيها كان فهو نصر من الله سبحانه وتعالى.
وروى ابن كثير عن مجاهد قال: إن المقتول كان منصورا. النحاس: ومعنى قوله إن الله نصره بوليه.
وروى أنه في قراءة أبى {فلا تسرفوا في القتل إن ولى المقتول كان منصورا}. قال النحاس: إلا بين بالياء ويكون للولي، لأنه إنما يقال: لا يسرف إن كان له أن يقتل، فهذا للولي. وقد يجوز بالتاء ويكون للولي أيضا، إلا أنه يحتاج فيه إلى تحويل المخاطبة. قال الضحاك: هذا أول ما نزل من القرآن في شأن القتل. وهى مكية.


{وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (34)}
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} قد مضى الكلام فيه في الأنعام.
الثانية: قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} قد مضى الكلام فيه في غير موضع. قال قال الزجاج: كل ما أمر الله به ونهى عنه فهو من العهد. {إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا} عنه، فحذف، كقوله: {وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ} به وقيل: إن العهد يسأل تبكيتا لناقضه فيقال: لم نقضت؟ كما تسأل الموءودة تبكيتا لوائدها.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12